بيان صادر عن اللجنة المصرية لفك الحصار عن غزة: الأمن القومى المصرى والجدار الفولاذى
تواترت الأنباء عن البدء فى إقامة جدار عازل تحت الأرض على الحدود المصرية الفلسطينية بتمويل وإشراف أمريكى كامل، وعمق ما بين عشرين، وثلاثين مترا، حيث تأتى القطع الفولاذية جاهزة من الولايات المتحدة إلى ميناء السويس، لتقوم بعد ذلك شركات مصرية بتركيبها تحت إشراف خبراء من أمريكا ودول غربية أخرى.
وكانت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية قد نشرت هذه الأنباء يوم الأربعاء الماضى (٩ ديسمبر ٢٠٠٩)، ونفتها السلطات الرسمية المصرية؛ إلا أن السيدة/ كارين أبو زيد المفوضة العامة لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، قالت: إن الجدار يبنى من الفولاذ القوى وصنع بالولايات المتحدة وقد تم اختبار مقاومته للقنابل، ووصفته بأنه أكثر متانة من خط بارليف الذى بنى على الضفة الشرقية لقناة السويس قبل حرب أكتوبر 1973 وفق ما نقلت عنها صحيفة "المصريون" المصرية بعددها الصادر الثلاثاء ١٥ ديسمبر الجارى.
وأشارت المسئولة الأممية خلال ندوة أقيمت الاثنين ١٤ ديسمبر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة إلى أن عملية تشييد الجدار الحديدى بدأت بالفعل باستخدام ألواح عملاقة من الفولاذ الصلب، واستمرار أعمال الحفر الرأسية بعمق الأرض.
وأوضحت قبل أيام من مغادرتها منصبها أن المعلومات لديها تؤكد أن تكلفة بناء الجدار كاملة تكفلت بها واشنطن. وأبدت أسفها لاشتراك الحكومة المصرية بمثل هذه السيناريوهات التى وصفتها بأنها "سيئة السمعة ولا تخدم إلا إسرائيل".
وقال وزير الخارجية السيد/ أحمد أبو الغيط فى تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية فيما يشبه الاعتراف بموضوع الجدار: ”إن مصر لديها مطلق الحرية فى أن تفعل داخل أراضيها ما يؤمن سلامتها، ولا يمكن أن يزعم ولا يحق لعربى مهما كان، وباسم أى قضية مهما كانت أن يقول لمصر افعلى هذا أو لا تفعلى ذاك على أراضيك، خصوصا أن مصر مستعدة للمساعدة وبذل الجهد للدفاع عن الحقوق الفلسطينية". وأضاف: "من هنا إذا ما طرحت مصر أى أفكار خاصة بوضع مجسات أو قواعد للسيطرة على التهديدات الأمنية ضد أراضيها، فهذا حقها. عدا ذلك، لا أرغب فى تناول ما نفعله فى هذه المنطقة فى الوقت الحالى".
وواصل وزير خارجية مصر حديثه بالقول: "دعونا نقنع الفلسطينيين بوضع حد لهذا الانقسام وهذا التشرذم والسعى إلى المصالح الضيقة، والأمر المقيت الذى نراه فى تصرفات الفلسطينيين فى هذه المرحلة. دعونا نعود مرة أخرى لعمل للوحدة الوطنية ونحقق لهم أملهم بالدولة التى لن تتحقق طالما بقى هذا التشرذم قائما والافتراق بين الضفة وغزة".
والنقطة الأساسية التى يتعين علينا إيضاحها هنا هى مسألة الأمن القومى المصرى التى تذرع بها أبو الغيط. هذا الموضوع مرتبط بوضعها الإقليمى وبدلا من التعاون مع محيطها الإقليمى لمواجهة السيطرة الأجنبية فإنها تتجه بكل قوة إلى معاداة هذا المحيط الإقليمى والتبعية الكاملة للمشروع الصهيونى، والإعلان دون مواربة عن تحالف استراتيجى مع أمريكا؛ مع أن أمريكا هى إسرائيل، وإسرائيل هى أمريكا.
وهذه السياسة سوف تؤدى فى النهاية إلى ضياع مصر؛ لأن الأطماع الغربية فى المنطقة معروفة، وحلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات لا زال قائما، وطريق تحقيقه هو مزيد من الانقسام والتفتت خاصة فى الدول المحيطة بإسرائيل أو التى يمكن أن تشكل تهديدا لها. لقد تم عزل مصر عن محيطها الإقليمى فى اتفاقية كامب ديفيد، والآن تجرى على قدم وساق إثارة الفتن والحروب الأهلية فى المنطقة، وهى نفس الخطة التى اتُبعت فى الأندلس حين تناثر عقدها وتحولت إلى دويلات متنازعة يحارب بعضها بعضا ويستعينون بالأسبان بعضهم على بعض، حتى استولى عليها الأسبان واحدة تلو أخرى، ولم يبق للمسلمين بالأندلس فى بداية القرن الرابع عشر الميلادى سوى إمارة غرناطة وبسقوطها عام 897 هـ 1492م انتهى الوجود الإسلامى هناك.
وقد تبدو هذه السياسة متناغمة مع الفكر الجديد الذى بشرت به لجنة السياسات فى الحزب الوطنى الحاكم فى مصر، سياسة تقزيم مصر وانكفائها تمهيدا لتفتتها وانهيارها. ويكاد هذا يذكرنا بموقف حزب الأحرار الدستوريين حين هب الشعب المصرى لنجدة أخوانه الليبيين أثناء الغزو الإيطالى لطرابلس عام ١٩١٢، ووقف هذا الحزب وحده ضد هذا التيار، رافعا شعار مصر للمصريين. لكن الوضع الآن أسوأ؛ فهذا التيار الذى كان وحيدا وقتها أصبح الآن فى السلطة وهو يعادى كل من يعلن تضامنه مع فلسطين، ويغلق الحدود امتثالا لإسرائيل ويعتقل الأحرار، وما الأستاذ مجدى حسين أمين عام حزب العمل ورفاقه عنا ببعيد.
اللجنة المصرية لفك الحصار عن غزة
17 ديسمبر 2009
هناك تعليقان (٢):
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك..اللهم آمين.
حيبنا الله ونعم الوكيل
إرسال تعليق